بهْرَام جور والوزير الخائن


 يُقَال انه كَانَ لبهرام جور وَزِير يدعى راست روشن اعْتمد عَلَيْهِ وَسلمهُ كل مقاليد المملكة وَلم يكن 

يلْتَفت لكَلَام أحد فِيهِ أما هُوَ نَفسه فَكَانَ يجْرِي ليل نَهَار وَرَاء ملذاته من تنزه وصيد وشراب وَحدث 

أَن قَالَ راست روشن لوكيل بهْرَام جور مرّة ان الرّعية أخذُوا لِكَثْرَة عدلنا يتجرأون علينا ويتمادون 

فَإِذا لم يعاقبوا فإنني أخْشَى وَالْملك فِي شغل بِالشرابِ وَالصَّيْد عَن شؤون الرّعية أَن يحدث مَالا 

تحمد عقباه فلتعاقبهم أَنْت إِذن قبل أَن يفسدوا وعقابهم إِنَّمَا يكون بِأحد امرين أَحدهمَا التَّخَلُّص من 

الأشرار وَالْآخر غصب أَمْوَال الأخيار والفضلاء ولتقبض على من أُشير عَلَيْك بِهِ وَأخذ راست 

روشن كلما قبض وَكيل بهْرَام على أحد وحبسه يتدخل شخصيا وَيَأْخُذ مِنْهُ رشوة وَيَقُول للْوَكِيل 

أطلق سراح هَذَا إِلَى أَن نهبوا كل مَا كَانَ لَدَى النَّاس من أَمْوَال وخيول وغلمان وَجوَار وأملاك 

وضياع فأفقرت الرّعية وشتت الْفُضَلَاء والمشاهير وَلم يعد يدْخل الخزانة من شَيْء

بعد مُضِيّ فَتْرَة على هَذَا طلع لبهرام جور أحد أعدائه فَأَرَادَ أَن يصل جَيْشه بصلات وهبات ويقويه ثمَّ يوجهه لمقابلة عدوه لكنه لما صَار الى الخزانه لم يجد فِيهَا شَيْئا وَلما سَأَلَ مشاهير الْمَدِينَة ورستاق الْبِلَاد ورؤسائهما قَالُوا لقد ترك فلَان وَفُلَان ممتلكاتهم وثروتهم مُنْذُ سنوات ومضوا إِلَى الْولَايَة الْفُلَانِيَّة فَقَالَ لماذا قَالُوا لَا نَدْرِي وَلم يَجْرُؤ أحد على أَن يَقُول لَهُ الْحَقِيقَة خوفًا من الْوَزير

وَقضى بهْرَام جور يَوْمه وَلَيْلَته تِلْكَ يفكر فِي الْأَمر لكنه لم يسْتَطع الاهتداء إِلَى مَوَاطِن الْخلَل فَركب فِي الْيَوْم التَّالِي لقلقه واضطرابه إِلَى الصَّحرَاء وحيدا وَرَاح يقطعهَا بالتفكير حَتَّى أَنه لم يدر كَيفَ أَن الشَّمْس توسطت كبد السَّمَاء وَكَيف أَنه قطع سِتَّة أَو سَبْعَة فراسخ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحر وغلبه الْعَطش فَاحْتَاجَ إِلَى جرعة مَاء وَلما مد بَصَره فِي الصَّحرَاء رأى دخانا يتصاعد من بعيد فَقَالَ لَا بُد من وجود أنَاس هُنَاكَ واتجه نَحوه فَلَمَّا دنا من الْمَكَان وَرَأى قطيعا هاجعا من الْغنم وخيمة مَضْرُوبَة وكلبا مُعَلّقا تملكه الْعجب واقترب من الْخَيْمَة فَخرج مِنْهَا رجل سلم عَلَيْهِ وحياه وأنزله من على فرسه وَقدم إِلَيْهِ مَا كَانَ يحضرهُ من طَعَام دون أَن يعرف أَنه بهْرَام فَقَالَ بهْرَام أَخْبرنِي عَن أَمر هَذَا الْكَلْب قبل أَن أتناول الطَّعَام لاكون على بَيِّنَة مِنْهُ فَقَالَ الشَّاب كَانَ هَذَا الْكَلْب أميني على غنمي وَكنت اعْلَم أَنه يَسْتَطِيع لقدرته أَن يصاول عشرَة رجال ويتغلب عَلَيْهِم وَأَن أَي ذِئْب لم يكن يَجْرُؤ أَن يحوم حول القطيع خوفًا مِنْهُ حَتَّى إِنَّنِي كنت أذهب إِلَى الْمَدِينَة مَرَّات عديدة فِي شغل لي وأعود فِي الْيَوْم التَّالِي وَكَانَ هُوَ يرْعَى الْغنم وَيعود بهَا سَالِمَة وَمَضَت على هَذِه الْحَال مُدَّة فَلَمَّا عددت الْغنم يَوْمًا وَجدتهَا نَاقِصَة ثمَّ تبين لي أَن عَددهَا أَخذ يتناقص تدريجيا كل عدَّة أَيَّام وَلم أستطع أَن أفهم عِلّة هَذَا مَعَ أَنه لَا وجود للصوص هُنَا لقد وصلت الْحَال بالقطيع فِي تناقصه إِلَى حد أَن عَامل الضرائب جَاءَنِي وَأَرَادَ مِثْلَمَا هِيَ الْعَادة ضَرَائِب القطيع كُله فَدفعت كل مَا تبقى مِنْهُ ضَرَائِب والان أَنا رَاع لذَلِك الْعَامِل مَا حدث أَن الْكَلْب صَادِق ذئبة ثمَّ تزَوجهَا وَكنت فِي غَفلَة من أمره

وَذَات يَوْم خرجت للاحتطاب وسلكت فِي عودتي طَرِيقا خلف مُرْتَفع كَانَ يطلّ على القطيع فرأيته يرْعَى وَإِذا بذئبة تعدو نَحوه حِينَئِذٍ اختفيت خلف أجمة شوك فَلَمَّا رأى الْكَلْب الذِّئْب هرع إِلَيْهَا وهز ذَنبه فوقفت فِي هدوء ووثب على ظهرهها وَقضى مِنْهَا وطره ثمَّ انتحى جانبا ونام فِي حِين راحت هِيَ تصول وتجول فِي الْغنم فقبضت على شَاة وافترستها دون أَن ينبح الْكَلْب أَو يُبْدِي حراكا لما رَأَيْت موقفه من الذئبة أدْركْت أَن مصدر بلائي لم يكن سوى تواطؤ الْكَلْب وانحرافه فقبضت عَلَيْهِ وعلقته بخيانته

عجب بهْرَام جور لهَذَا الحَدِيث وَقطع طَرِيق عودته يفكر فِي الْأَمر فَانْتهى بِهِ تفكيره الى أَن رعيتنا هِيَ قطيعنا ووزيرنا هُوَ أميننا انني لأرى أُمُور المملكة فِي اضْطِرَاب وأحوال الرّعية فِي اختلال وانني كلما أسأَل أحدا لَا يصدقني القَوْل ويخفي عني الْحَقِيقَة والحل أَن أحقق فِي أَحْوَال الرّعية وراست روشن

وَلما عَاد إِلَى مقره كَانَ أول مَا فعله أَن طلب لوائح المسجونين اليومية فَكَانَت كلهَا من فجائع راست روشن وجرائمه فأيقن آنذاك أَن الرجل لم يسس النَّاس بِالْحَقِّ بل سامهم ظلما وخسفا ثمَّ قَالَ

هُوَ لَيْسَ راست روشن انه كذب وظلمة وَقَالَ مستشهدا بِأحد الْأَمْثَال  الْحق مَا قَالَت الْحُكَمَاء من أَن الْجُوع مصير كل من تخدعه شهرته ويركب غروره بهَا والعدم مصير كل من يخون الْخبز الَّذِي يَأْكُلهُ مَعَ الآخرين أَنا الَّذِي شددت أزر هَذَا الْوَزير حَتَّى يرَاهُ النَّاس بِهَذَا الجاه وَالْعَظَمَة لكِنهمْ لَا يجرؤون ألآن على أَن يفضوا إِلَيّ بِمَا فِي نُفُوسهم خوفًا مِنْهُ لَا بُد من أَن أَقبض عَلَيْهِ حِين يَأْتِي إِلَى الْقصر غَدا فأبدد حرمته وجلاله على مرأى وجهاء الْبِلَاد وعظمائها وامر بغله فِي الاغلال الثَّقِيلَة ثمَّ أستدعي السجناء وأسألهم عَن أَحْوَالهم وامر من يُنَادي فِي النَّاس لقد نحينا راست روشن عَن الوزارة وقبضنا عَلَيْهِ وحبسناه وَلم نعيده إِلَى الْعَمَل فعلى كل من ألحق بِهِ أَذَى أَو لَدَيْهِ شكاية ضِدّه أَن يَأْتِ إِلَيْنَا ويطلعنا على حَاله بِنَفسِهِ لننصفه مِنْهُ وَلَا بُد أَن النَّاس سيخبروننا بِكُل شَيْء بعد سَماع هَذَا فَإِن يكن سلوكه مَعَ النَّاس حسنا حميدا وَلم يغصب مِنْهُم مَالا بل شكروه وأثنوا عَلَيْهِ سأحسن مُعَامَلَته وأعيده إِلَى منصبه وَإِلَّا فسأعاقبه وأقتص مِنْهُ

وَفِي الْيَوْم التَّالِي جلس بهْرَام جور للنَّاس وَجلسَ العظماء فِي الْمُقدمَة وَدخل الْوَزير وَاتخذ مَكَانَهُ فَالْتَفت بهْرَام جور نَحوه وَقَالَ مَا هَذَا الِاضْطِرَاب الَّذِي أوجدته فِي المملكة فقد أبقيت الْجَيْش دون سلَاح ومؤونة وأفقرت الرّعية لقد أمرناك أَن توصل أرزاق النَّاس إِلَيْهِم فِي أَوْقَاتهَا وَألا تغفل عَن إعمار الْبِلَاد وَألا تحصل من النَّاس إِلَّا مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِم من خراج وَأَن تملا الخزانة لكننا الان لَا نرى سوى خزينة خَالِيَة وجيش دون عتاد ومؤونه وأنقاض رعية لقد ظَنَنْت أنني شغلت بِالشرابِ وَالصَّيْد وأهملت شؤون المملكة وأحوال الرّعية وَأمر بتنحيته دون أَن تراعى لَهُ حُرْمَة فاقتيد إِلَى حجرَة وَوضعت الأغلال فِي قَدَمَيْهِ وَوضع على بَاب الْقصر مناديا يَقُول إِن الْملك عزل راست روشن عَن الوزارة وَغَضب عَلَيْهِ وَلنْ يوليه أَي عمل بعد فَمن كَانَ قد أوذي مِنْهُ أَو أَن لَدَيْهِ شكوى ضِدّه فليأت إِلَى الْقصر دونما خوفًا أَو وَجل للإفصاح عَن حَاله بِنَفسِهِ ختى ينصفه الْملك ثمَّ أَمر بِفَتْح أَبْوَاب السجْن حَالا وَجِيء إِلَيْهِ بالسجناء وَاحِدًا وَاحِدًا وَكَانَ يسألهم بِمَ سجنت قَالَ أحدهم كَانَ لي أَخ ثري وَكَانَت لَهُ أَمْوَال وخيرات جمة قبض عَلَيْهِ راست روشن وسلبه كل أَمْوَاله وعذبه إِلَى أَن مَاتَ وَلما سَأَلُوهُ لماذا قتلت هَذَا الرجل قَالَ كَانَت لَهُ مَعَ أَعدَاء الْملك مراسلات ثمَّ حَبَسَنِي حَتَّى لَا أشكوه وأتظلم مِنْهُ وَحَتَّى تظل هَذِه الْمَسْأَلَة طي الكتمان

وَقَالَ اخر كَانَت لي مزرعة جميلَة جدا ورثتها عَن وَالِدي وَكَانَت لراست روشن ضَيْعَة بجوارها وَلما دخل مزرعتي يَوْمًا راقت لَهُ فَأَرَادَ أَن يَشْتَرِيهَا لكنني لم أبعه فَقبض عَليّ وحبسني بِحجَّة إِنَّك تحب ابْنة فلَان فثبتت عَلَيْك الْخِيَانَة تخل عَن هَذِه المزرعة وأكتب بِنَفْسِك إِقْرَارا ينص على أَنه لَا حق لي فِي هَذِه المزرعة وَهِي ملك راست روشن غير أَنِّي لم أفعل وَالْيَوْم تمر خمس سنوات على سجني

وَقَالَ اخر انني تَاجر كنت أجوب الافاق برا وبحرا وَكنت أَشْتَرِي بِمَا لدي من مَال مَا أَجِدهُ فِي أَيَّة مَدِينَة من نَوَادِر الْأَشْيَاء وأبيعه فِي مَدِينَة أخرة قانعا بِرِبْح قَلِيل وَاتفقَ أَن وَقعت على عقد لُؤْلُؤ عرضته للْبيع لما جِئْت هَذِه الْمَدِينَة فَلَمَّا بلغ الْوَزير الْخَبَر ارسل إِلَيّ يطلبني فَاشْترى العقد مني وأرسله إِلَى خزانته دون أَن يدْفع ثمنه وترددت عَلَيْهِ مَرَّات للسلام فَلم يبد مِنْهُ مَا يدل على أَنه يرغب فِي دفع ثمن العقد ونفد صبري وَكنت على أَبْوَاب سفر فَذَهَبت إِلَيْهِ يَوْمًا وَقلت إِن يكن العقد مناسبا فأرجو الايعاز بِدفع ثمنه وَإِلَّا فبرده فإنني عزمت على الْمسير فَلم يجيني وعدت إِلَى دَاري فَإِذا ب سرهنك وَأَرْبَعَة جنود راجلين فَقَالُوا لي هيا بِنَا فالوزير يطلبك فَفَرِحت وَقلت سيدفع ثمن العقد فَنَهَضت وَذَهَبت مَعَهم لكِنهمْ مضوا بِي إِلَى السجْن اللُّصُوص وَقَالُوا للسجان اسجن هَذَا الرجل وكبله بالأغلال الثَّقِيلَة ومنذ سنة وَنصف وَأَنا فِي السجْن

وَقَالَ اخر أَنا رَئِيس النَّاحِيَة الْفُلَانِيَّة كَانَ بَيْتِي مَفْتُوحًا دَائِما فِي وَجه الضيوف والغرباء وَأهل الْعلم وَكنت أواسي النَّاس والمعوزين وأوزع الصَّدقَات والخيرات على الْمُسْتَحقّين باستمرار أُسْوَة بابائي من قبل وَكنت أنْفق مَا يَتَأَتَّى من أملاكي وضياعي الموروثة فِي سبل الْخَيْر والضيافة قبض عَليّ الْوَزير بِحجَّة أنني عثرت على كنز فعذبني وصادر أَمْوَالِي وأودعني السجْن وَكنت أبيع ملكي وضياعي للضَّرُورَة بِنصْف ثمنهَا وأعطيه إِيَّاهَا وَهَا هِيَ ذِي أَربع سنوات تمر على سجني وتكبيلي بالقيود وَلَا ألوي على شَيْء

وَقَالَ اخر أَنا ابْن الزعيم فلَان صادر الْوَزير أَمْلَاك أبي وَقَتله بِشدَّة التعذيب ثمَّ حَبَسَنِي ومنذ سبع سنوات وَأَنا أعاني من عَذَاب السجْن

وَقَالَ اخر أَنا عسكري خدمت وَالِد الْملك سنوات عديدة ورافقته فِي عدد من أَسْفَاره وَكنت وَمَا أَزَال فِي خدمَة الْملك مُنْذُ سنوات وأتقاضى راتبي من الدُّيُون غير أَن شَيْئا مِنْهُ لم يصل إِلَيّ السّنة الْمَاضِيَة وقابلت الْوَزير هَذَا الْعَام وَقلت لَهُ انني صَاحب عِيَال لم يصل إِلَيّ راتبي فِي الْعَام المنصرم فادفعوه هَذِه السّنة لاسدد بِبَعْضِه مَا عَليّ من دُيُون وأعيش بِالْبَاقِي فَقَالَ لَيْسَ فِي نِيَّة الْملك أَن يحارب أحدا حَتَّى تكون لَهُ فِي الْجَيْش حَاجَة لذا ان وجودك وَوُجُود أمثالك وَعَدَمه فِي الْخدمَة سَوَاء إِن أردْت أَن تكسب عيشك فَعَلَيْك بالطيانة قلت لن أشتغل بالطيانة لَان لي على الدولة حقوقا أما أَنْت فَعَلَيْك ان تتعلم كَيْفيَّة تسيير شؤون الْملك انني فِي الضَّرْب بِالسَّيْفِ أمهر مِنْك فِي تنَاول الْقَلَم وأنني أفتدي الْملك بنفسي وَقت النزال وَلَا أعصي أوامره أما أَنْت فتقطع أرزاقنا من الدِّيوَان وَلَا تنفذ أوَامِر الْملك وَلست تَدْرِي أننا نَحن الِاثْنَيْنِ خدم لَهُ أَنْت فِي وزارتك وَأَنا فِي عَمَلي غير أَن الْفرق بَيْننَا هُوَ أنني أطيع الاوامر وأنفذها وَأَنت تعصاها وتنبذها ظهريا إِن يكن الْملك لَيْسَ فِي حَاجَة إِلَى أمثالي فَهُوَ لَا يحْتَاج إِلَى أمثالك أَيْضا وان يَأْمر بِإِخْرَاج مثلي فَهُوَ لَا شكّ فَاعل بأمثالك أَيْضا إِن يكن لديك مرسوم ملكي بِحَذْف اسْمِي من الدِّيوَان فأرنيه وَإِلَّا فادفع مَا قدر الْملك لي من راتب فَقَالَ اخْرُج فَأَنا الَّذِي أحميك وأحمي الْملك ولولاي لكنتم طعمة للنسور مُنْذُ زمن بعيد وَفِي الْيَوْم نَفسه أودعني السجْن الَّذِي مرت عَليّ فِيهِ أَرْبَعَة شهور

لقد كَانُوا أَكثر من سَبْعمِائة وَكَانَ أقل من عشْرين مِنْهُم سفاحين ولصوصا ومجرمين أما الْبَاقُونَ فَأُولَئِك هم الَّذين زج بهم الْوَزير بالسجن ظلما وعدوانا طَمَعا بِالْمَالِ وَمَا إِن سمع النَّاس فِي المدن والنواحي بِخَبَر مُنَادِي الْملك حَتَّى هرعت جموع المظلمين الغفيرة إِلَى الْقصر

لما رأى بهْرَام جور حَال النَّاس وَمَا ألحقهُ بهم الْوَزير من ظلم وعنت وإجحاف قَالَ فِي نَفسه إِن فَسَاد الرجل فِي المملكة أَكثر مِمَّا أرى انه يفوق الْوَصْف ان جرأته على الله تَعَالَى وعَلى عباده وَعلي بلغت حدا أكبر مِمَّا كنت أَظن يجب التَّأَمُّل فِي المسالة بعمق أَكثر ثمَّ أَمر بالذهاب إِلَى سراي راست روشن وإحضار جَمِيع دفاتره وإغلاق أَبْوَاب السراي جَمِيعهَا وشمعها وَذهب رجال الْملك المعتمدون فنفذوا الْأَمر واحضروا الدفاتر وَفِي حِين كَانُوا ينظرُونَ فِيهَا وجدوا أَحدهَا يغص برسائل بعث بهَا أحد الْمُلُوك إِلَى راست روشن يُخبرهُ بِخُرُوجِهِ على بهْرَام جور والتوجه نَحوه ووجدوا رِسَالَة بِخَط راست روشن مُرْسلَة إِلَيْهِ فِيهَا مَا هَذَا التباطؤ فقد قَالَت الْحُكَمَاء الْغَفْلَة تدمر الدولة لقد عملت لهواي مَعَك وطاعتي إياك كل مَا بوسعي فكسبت فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا من قادة الْجَيْش إِلَى جَانِبي وَأخذت لَك الْبيعَة مِنْهُم وَجعلت أَكثر الْجَيْش دون مؤونة وعتاد وَأرْسلت بعضه إِلَى أَمَاكِن ونقاط أُخْرَى فِي مهام لَا طائل من وَرَائِهَا أما الرّعية فجوعتها وأضعفتها وَفرقت شملها وشتت الكثيرين مِنْهَا وَأما مَا اسْتَطَعْت جمعه فِي هَذِه الْمدَّة من أَمْوَال فَهُوَ لَك ولخزانتك الَّتِي لَا قبل لأي ملك بهَا وأعددت لَك تاجا ومنطقة وجبة مرصعة لم ير أحد مثلهَا إِن حَياتِي مهدده بالخطر من هَذَا الرجل الْملك بهْرَام الميدان خَال والخصم لاه فاغتنم الفرصة وسارع بالمجيء قبل أَن يصحو الرجل من غفوته لما رأى بهْرَام جور الرسائل قَالَ اه إِنَّه هُوَ الَّذِي ألب علينا هَذَا الْخصم الَّذِي يتَقَدَّم الان بعد أَن غرر بِهِ وَلَيْسَ ثمَّة من شكّ فِي خبث معدنه وعداوته ومخالفته لنا وَأمر بتحويل ثروته كلهَا إِلَى الخزانة والاستيلاء على عبيده ومواشيه اما مَا أَخذه من النَّاس رشوة فَأمر بِأَن تبَاع أملاكه وضياعه ليسترد النَّاس أسلابهم مِنْهَا وَأما قصره ومتاعه فدكت دكا

ثمَّ أَمر انذاك بِإِقَامَة مشنقة عالية على بَاب قصره وَثَلَاثِينَ أُخْرَى خلفهَا وَكَانَ راست روشن أول من علق عَلَيْهَا تَمامًا مِثْلَمَا علق ذَلِك الرجل الَّذِي تقدم خَبره كَلْبه وَمن ثمَّ علق أَتْبَاعه وَمن دخلُوا فِي بيعَته وَأمر الْملك مناديا يُنَادي لمُدَّة سَبْعَة أَيَّام هَذَا جَزَاء من يَحِيق بِالْملكِ سوءا وينحاز إِلَى أعدائه ويوافقهم ويؤثر الْخِيَانَة على الْأَمَانَة وَيظْلم الْعباد ويتجرأ على الله وعَلى أسياده

بعد هَذَا الْجَزَاء الرادع خَافَ المفسدون الْملك بهْرَام الَّذِي عزل كل من عينهم راست روشن أَو ولاهم شغلا وَلم يولهم أَي عمل بعد وَأعَاد كل من نحاهم عَن مراكزهم إِلَيْهَا وَبدل جَمِيع الْكتاب وحكام الولايات

وَلما وصل الْخَبَر إِلَى الْملك الَّذِي كَانَ قد خرج على بهْرَام جور وَتوجه إِلَيْهِ عَاد من حَيْثُ وصل نَادِما على فعلته ثمَّ أرسل الْأَمْوَال والهدايا الثمينة إِلَى الْملك بهْرَام ملتمسا الْعذر مُعْلنا الطَّاعَة وَقَالَ ان عصيان الْملك لم يخْطر لي ببال قطّ بل ان وزيركم هُوَ الَّذِي جعلني أسلك هَذِه الطَّرِيق لِكَثْرَة مَا كَانَ يكْتب من رسائل وَيُرْسل من رسل وَفِي ظَنِّي أَنه لم يكن سوى مجرم يبْحَث لَهُ عَن ملْجأ وَقبل الْملك بهْرَام عذره وَصرف النّظر عَن الْمَسْأَلَة ثمَّ قلد الوزارة رجلا حسن الِاعْتِقَاد يخْشَى الله فانتظمت شؤون الْجَيْش والرعية واستقامت الْأَعْمَال وَصَارَت الْبِلَاد إِلَى الْعمرَان وتخلص النَّاس من الْجور وَالظُّلم

اما عَن الرجل الَّذِي علق كَلْبه فَكَانَ الْملك بهْرَام حِين خرج من خيمته يُرِيد العودة أخرج من كِنَانَته سَهْما أَلْقَاهُ أَمَامه وَقَالَ أكلت طَعَامك وَعرفت مَا نزل بك من أَذَى وأصابك من ضَرَر فَإِن لَك عَليّ لَحقا إعلم أنني أحد حجاب الْملك بهْرَام جور وان كل كبار رجال قصره وحجابه أصدقائي وهم يعرفونني جيدا عَلَيْك أَن تذْهب إِلَى قصر الْملك بهْرَام بِهَذَا السهْم فَإِن كل من سيراه مَعَك سَيَأْتِي بك إِلَيّ لكَي أَقْْضِي لَك بِشَيْء يعوض عَلَيْك شَيْئا مِمَّا لحق بك من ضَرَر وَعَكَفَ رَاجعا

بعد أَيَّام قَالَت زوج ذَلِك الرجل لَهُ أنهض وامض إِلَى الْمَدِينَة وَخذ السهْم مَعَك فَلَا إخال ذَلِك الْفَارِس بطلعته تِلْكَ إِلَّا رجل ثريا ووجيها حَتَّى لَو أَعْطَاك شَيْئا قَلِيلا فَإِنَّهُ كثير علينا فِي هَذِه الْأَيَّام إذهب وَلَا تتوان فَكَلَام الرجل لم يكن جزَافا فَنَهَضَ الرجل وَمضى إِلَى الْمَدِينَة ونام ليلته تِلْكَ ثمَّ ذهب فِي صباح الْيَوْم التَّالِي إِلَى قصر الْملك بهْرَام الَّذِي كَانَ أوصى حجاب قصره وَمن فِيهِ إِذا مَا أم الْقصر رجل باوصاف كَذَا وَكَذَا ورأيتم سهمي بِيَدِهِ فأتوني بِهِ حَالا لما راى الْحجاب الرجل والسهم مَعَه نادوا عَلَيْهِ وَقَالُوا أَيْن أَنْت أَيهَا الرجل الْحر فَنحْن فِي انتظارك مُنْذُ أَيَّام استرح هُنَا إِلَى أَن نأخذك إِلَى صَاحب هَذَا السهْم وَمَضَت فَتْرَة خرج بعْدهَا بهْرَام جور وَجلسَ على سَرِيره وَعقد الْمجْلس فَأخذ الْحجاب بيد الرجل وأدخلوه إِلَى الْمجْلس فَوَقَعت عينه على الْملك وعرفه وَقَالَ اه لقد كَانَ الْملك بهْرَام ذَلِك الْفَارِس وَلم أقِم بِالْوَاجِبِ الْمَطْلُوب نَحوه فضلا عَن أنني كنت أحدثه بجسارة لَعَلَّه أَلا يكون قد ضغن عَليّ

وَلما قربه الْحجاب من سَرِير الْملك وَقبل الأَرْض بَين يَدَيْهِ الْتفت بهْرَام جور نَحْو العظماء وَقَالَ لقد كَانَ هَذَا الرجل سَبَب تنبهي لأحوال المملكة وقص عَلَيْهِم قصَّة الْكَلْب والذئبة ثمَّ قَالَ وتفاءلت بِهَذَا الرجل ثمَّ أَمر لَهُ بخلعة وَسَبْعمائة شَاة كَبِيرَة ينتخبها هُوَ بِنَفسِهِ وَلَا يدْفع عَنْهَا ضريبة طوال حَيَاة بهْرَام جور !


كتاب سياست نامه = سير الملوك

إرسال تعليق

تعليقك لنا ونقدك تصحيح لأخطائنا

أحدث أقدم

نموذج الاتصال