( والزم أصحابك قراءة القرآن وانههم عن ذكر الجاهلية وما كان منها فإن ذلك يورث العداوة بينهم )
1. لزوم قراءة القرآن الكريم
"والزم أصحابك قراءة القرآن" يعني هذا الأمر ضرورة الحث الشديد والمواظبة على قراءة القرآن الكريم، ليس فقط كعادة يومية، بل كجزء أساسي من حياة الفرد والجماعة. قراءة القرآن هنا لا تقتصر على التلاوة فحسب، بل تشمل:
التدبر والتفهم: الغوص في معاني الآيات واستخلاص الدروس والعبر منها. القرآن هو دستور المسلم ومنهج حياته، وفهمه يُنير البصيرة ويُوجه السلوك.
العمل بما جاء فيه: تطبيق أوامر القرآن ونواهيه في الحياة اليومية، فالقرآن ليس مجرد كتاب يُقرأ، بل هو منهاج يُطبق.
الوحدة والترابط: القرآن هو حبل الله المتين الذي يجمع قلوب المسلمين ويوحّد صفوفهم على كلمة الحق. عندما يتلو المسلمون نفس الآيات ويتدبرون نفس المعاني، فإنهم يتقاربون فكريًا وروحيًا.
2. النهي عن ذكر الجاهلية وما كان منها
"وانههم عن ذكر الجاهلية وما كان منها فإن ذلك يورث العداوة بينهم" هذا الجزء من الوصية ينهى عن التفاخر بالأنساب، والعصبيات القبلية، والأحداث المؤلمة التي وقعت في فترة الجاهلية (ما قبل الإسلام)، مثل الحروب والثارات والنزاعات. والسبب في هذا النهي واضح ومحدد:
توريث العداوة: إن تذكير الناس بما كان بينهم من خصومات وعداوات في الجاهلية يُوقظ الضغائن القديمة، ويُحيي الأحقاد الكامنة في النفوس. فكل قبيلة أو عشيرة قد تفتخر بانتصاراتها على الأخرى، أو تُعيد ذكر المظالم التي لحقت بها، مما يُفضي إلى تجدد العداوة والبغضاء.
تفكيك الوحدة الإسلامية: الإسلام جاء ليُنهي كل هذه الفروقات والعصبيات، ويُعلي راية الأخوة الإيمانية: "إنما المؤمنون إخوة". ذكر الجاهلية يُهدد هذه الوحدة ويُعيد المسلمين إلى حالة التفرق والانقسام التي كانوا عليها.
التركيز على المستقبل: بدلاً من النظر إلى الماضي بكل آلامه، يُوجّه هذا القول المسلمين إلى الأمام، نحو بناء مجتمع إسلامي قوي ومتماسك أساسه التقوى والأخوة، وليس النسب أو العصبية.
الخلاصة
هذه الوصية تلخص منهجًا تربويًا واجتماعيًا عميقًا: البناء على أساس القرآن لتوحيد الصفوف، وهدم كل ما يُفرّقها من عصبيات جاهلية. إنها دعوة لبناء مجتمع يعيش في سلام وألفة، بعيدًا عن نزاعات الماضي، ومُركّزًا على ما يجمع لا ما يُفرق.